ذكريات قاتلة

   تحية الشوق والمحبة، وألف سلام معطّر يحمل أنسام الغوطة، وبردى، وهواء جبل "القليب" في جبل العرب، العليل الساحر.
   أكتب اليك بعد غربة عن الكتابة استغرقت سنتين ونيّف، ولكن غربة الكتابة لم تؤثّر على دفء العاطفة، وحنين القلب والروح، ولم تنزع منها جبال الشوق والوداد.. وقد جار عليّ الزمن، واختطف من بيتي ابني عادل، وهو في الخامسة والاربعين، في آخر يوم من كانون الأول سنة 1995، ثم اختطف من جانبي شقيقي الأكبر مني، في شهر كانون الأول عام 1996، ثم اختطف خلال عام 1997 ثلاثة شباب من أبناء العم. 
   هذه المصائب المتلاحقة كادت أن تفقدني ما أملك من صبر عليها، وتلجمني، بل وتوثق أصابعي عن الامساك بالقلم، لأنها أقوى وأعنف ما يستطيع الانسان أن يواجهه في حياته.
   قد يكون وضعي مخالفاً ولا يتفق مع العقل والمنطق، ولكنه قد طغى على كل مشاعري، وهذه أول رسالة أكتبها للاخوة الكثيرين في انحاء المعمورة، وكانت الاولى لك، بعد أن استعدت قواي الفكرية، وقررت أن أعود الى لقاء الاخوان المحبين، على صفحات القرطاس، وأنت في طليعتهم.
   أرجو ألاّ تحزن، وأن لا تكتب إلي كلمة رثاء، كي لا تعود الذكريات القاتلة، وكذلك مثل هذا الرجاء للأخ الحبيب أكرم المغوّش.
   يوم الخميس الماضي صدرت جريدة "تشرين" الدمشقية، وفيها حديث لي عن مؤلفاتي الجديدة، وعنوانها "أبطال منسيون"، ولدى الاطلاع عليها تظهر الغاية التاريخية من نشرها، وسوف أتابع مثل هذه الحلقات لاغناء الثورة السورية الكبرى التي نشبت عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، ونشر هذه الحلقات في مسيرتنا التاريخية يوثّق الصدقية في حياة الأمة العربية النضالية.
   ولعل تجد لها مكاناً على صفحات "ليلى" الغراء، كما أتمنى أن أتلقى أعدادها الصادرة بعد عدد أيلول 1997، وهو الأخير الذي وصلني، لاسيما وانني في النتيجة سوف أقوم بتجليد الاعداد وضمها الى مكتبتي الغنيّة، والتي تزيد محتوياتها على ثلاثة ألف مجلد.
   انني بشوق لسماع أخبار الاخوة الادباء في أستراليا، وهم كثر والحمد لله، وأتمنى لكم أيها الحبيب، وللأخ أكرم، كل السعادة والمحبة مني بكل حدودها وأبعادها.
السويداء 21/4/1998
**