قرف

   انتهى اليّ الملف الكامل الذي يحوي وصفاً شاملاً لحفل تكريمك بمناسبة اليوبيل الفضّي. وقرأت ما جاء فيه من نثر وشعر حول رحلتك في دنيا الادب والشعر، وما قدّمته للانسانية وللمجتمع وللعلم على مدى عقدين ونصف، وقد أجادوا في الوصف، وتمنوا لك يوبيلاً ذهبياً زاخراً بالعطاء الأمثل. قال الخطباء كلمة حق، وأجادوا.
   فأنت أيها الحبيب شاعر العصر في المغتربات، وأنت الينبوع الذي عمّ نميره الخافقين، وروت مياهه أرض المشرقين، فكنت النسر الذي حلّق في كل الاجواء، والقيثارة التي عزفت ألحانها الساحرة في كل الربوع، وجمعت الى الشعر العربي الأصيل ميزات قل نظيرها، ففي مجال التربية ساهمت، وعلى خشبة المسرح لمعت، ولخير الانسانية دعوت، وكانت قصيدتك الأخيرة "قرف" أصدق صورة عن الواقع الذي تعيشه أمتنا العربية من الشرذمة والتخاذل، وكم نحن بحاجة الى كلمة حرة هادفة، والى فكر يدعو الى التصحيح، والتأنيب، والتهذيب، وكم نحن بحاجة الى ثقافة للتوعية وللتعرية في آن واحد.
   ومن واجب المثقف أن يغضب لأي انحراف يحدث في مجتمعه. المثقف هو ضمير الأمة، وهو وجهها، ولسانها، والشاعر هو صوتها المدوي، فإذا سكت عن الانحراف خان الأمانة، واذا وقف موقف المتفرج في النائبات، وما أكثرها في عصرنا، انتفت عنه صبغة الرسالة المقدسة التي يحملها.
   الأمة العربية تعيش في رحاب "قرف"، وتسكت عن المآسي التي تعيشها في أكبر مساحاتها، وقلّة هم الذين يقفون في حلبة الصراع، يقاومون هذه الانتكاسات التي يحشدها الغرب، وتقودها أميركا والصهيونية، وقد أخطأ الذين وجهوا اليك الملامة، واعتبروا قصيدة "قرف" فيها خروج عن آداب الكلمة.
   أرجو أن تتوقّف هذه المشاحنات بين أفراد الجالية العربية في أستراليا، وبصورة خاصة الطبقة المثقفة فيها، لأن مثل هذه الخصومات لا يستفيد منها إلا العدو الرابض في كل الارجاء، العامل بكل قواه للنيل من وحدتنا، وثقافتنا، وحضارتنا، والذي يسعى لاختراق الصف العربي، وتمزيقه، وتوسيع الخرق فيه.
   انني بدأت بكتابة عرض مفصّل عن حفلة التكريم، وأرجو أن تنشر في أحد أعداد "الثقافة" الاسبوعية المقبلة، كما سأكتب عرضاً مفصلاً متخيلاً عن توزيع جائزة جبران العالمية لسنة 1993، مع مقدمة كامل المر لقصيدة الجواهري، وكذلك لقصيدة شدياق، ولا أعلم اذا كانت الجوائز قد أرسلت لأصحابها.
   سوف أشاهد الحفلة كما وصفتها جريدة "العالم العربي"، وأرجو ألا يكون قد أمحي مثلما حدث للشريط السابق.
   تحيّاتي لكل الأخوة في أستراليا، وخصيصاً للحبيب أكرم المغوّش، وحضر والده عند كتابة هذه الرسالة، وهو يسلم عليه وعليك، ويشترك معي في تقديم التهاني اليك.
السويداء في 12/2/1994
**